الحياة أثمن بكثير من هذا الشتات والفوضى التي تطاردنا وتشغلنا بالتوافه، وتمتلئ بقضايا وأحداث جديدة كل يوم، تدفعنا للخروج من جادة الطريق إلى حوافه، ومن السبيل المعبد الواضح المعالم ، إلى المسارات الفرعية وبنيات الطريق.
تخيل أنك في صحراء ممتدة لا تعرف حدودها ، ولا تملك بوصلة لمعرفة جهاتها، ولا تدري أين تسير فيها لتصل إلى وجهتك..
ثم تخيل نفسك في طريق آخر واضح المعالم تسير فيه يوصلك إلى وجهتك حتى إن تأخرت أو تعبت فيه أو طال وقت السير فيه..
(نظام مؤكد لتحفيز حياتك، ومضاعفة إنتاجيتك، وتحقيق أهدافك).
هذه الثلاث جمل هي ما كتبه براين تريسي في الصفحات الأولى لكتابه المشهور "نقطة التركيز" . هذا الكتاب يعد المرجع الأول لما يعرف الآن بـ "التنمية الذاتية" و "التحفيز الذاتي" .
تقوم فكرة الكتاب كله على أنه لكي تحقق كل ما تتمنى ، يجب أن تعتاد التركيز على سلوك واحد أساسي يقودك إلى تحقيق هدفك . يجب أن تحدد نقطة التركيز الخاصة بك - فهي أهم شيء يمكنك أن تفعله في أي وقت لتحقيق أفضل النتائج في أي مرحلة من مراحل حياتك .
يا ترى كم هي الأوقات التي نبددها في القيل والقال ، ومتابعة الأخبار، والجري وراء الأوهام، وتحليل الأحداث التي تجري كل يوم هنا وهناك، ومتابعة الآراء والأفكار المفيدة وغير المفيدة في وسائل التواصل، من برنامج إلى برنامج ، ومن صفحة إلى صفحة. وإلى متى سنظل في هذه الفوضى وهذا الإحباط والضياع في حياتنا؟!
لو أن كل هذا الوقت نقضيه في مشروع أو فكرة أو تعليم أو تعلم أو عمل أو رياضة أو عبادة أو قراءة أو أي مسار نافع في حياتنا في ديننا أو دنيانا ، فكيف ستكون حياتنا ؟!
بدأ براين كتابه بالقصة التالية:
ذات مرة كانت هناك مشكلة فنية كبيرة في إحدى محطات الطاقة النووية وقد تسببت هذه المشكلة في تقليل سرعة توليد الطاقة وخفض كفاءة عملية التشغيل بالكامل.
وعلى الرغم من المحاولات الدؤوبة التي بذلها مهندسو المحطة إلا أنهم لم يتمكنوا من تحديد المشكلة أو معالجتها وبناء عليه قاموا باستدعاء أحد أعظم الخبراء في العالم في مجال هندسة وبناء المحطات النووية. ووصل الخبير وارتدى معطفا أبيض اللون وأمسك بحافظة أوراق ثم بدأ العمل . وطوال اليومين التاليين ظل يتجول في أنحاء المحطة ويفحص المئات من الوصلات والمؤشرات في غرفة التحكم ويدون ملاحظاته ويجري عمليات حسابية.
في نهاية اليوم الثاني أخرج قلما أسود من حافظته وصعد سلما خشبيا ووضع علامة "X" كبيرة سوداء اللون على أحد العدادات.
قال : هنا موضع المشكلة لذا يجب إصلاح واستبدال الجهاز المتصل بهذا العداد وسوف تنتهي المشكلة.
خلع الخبير معطفه بعد ذلك وقاد سيارته إلى المطار ثم عاد إلى وطنه وقام المهندسون بحل أجزاء الجهاز الذي أشار إليه الخبير واكتشفوا بما لا يدع مجالا للشك أنه كان بالفعل سبب المشكلة. وقد تم إصلاحه سريعا وعادت المحطة إلى العمل بكفاءة كاملة.
بعد أسبوع تقريبا تلقى مدير المحطة فاتورة من الخبير بمبلغ 10,000 دولار مقابل خدمات مقدمة.
اندهش مدير المحطة بسبب حجم المبلغ المطلوب والمبالغة فيه مقابل هذا العمل البسيط فكتب مدير المحطة ردا إلى الخبير قائلا : لقد تلقينا الفاتورة التي أرسلتموها ، رجاء هل يمكنكم تخفيض التكلفة وتحديد بنودها ؟ حيث يبدو أنكم لم تفعلوا أكثر من مجرد كتابة علامة "X" على أحد العدادات ونرى أن مبلغ عشرة آلاف دولار مبالغ فيه مقابل هذا العمل البسيط.
بعد عدة أيام تلقى مدير المحطة فاتورة جديدة وجاء فيها ما يلي : وضع علامة "X" تكلف دولارا واحدا أما معرفة العداد الذي يجب وضع علامة "X" عليه فقد تكلف 9999 دولارا.
توضح هذه القصة البسيطة أهم مبدأ من مبادئ النجاح والإنجاز والسعادة في الحياة - معرفة أين تضع علامة "X" في كل جزء من أجزاء حياتك تعد العامل الأساسي لكل ما تنجزه في حياتك.
هذا ما ذكره براين من مغزى القصة.. أما أنا فرأيت مغزاها في أهمية التخصص والخبرة والتركيز على مجال معين وهدف محدد مهما كان حتى تستطيع أن تنجح وأن تبدع فيه.
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ
وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعاً
مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
مسك الختام: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) صدق الله العظيم