أن رجلا كانت له امرأة جميلة بالمدينة فوفد على معاوية بالشام، وكان ابنه يزيد راغبا فيها، وعرف ذلك معاوية فما زالا بالرجل المذكور حتى طلقها، ووعده معاوية أن يزوجه ابنته، فلما انقضت العدة أرسل معاوية أبا الدرداء وآخر معه أن يخطباها ليزيد، فلما قدما المدينة بدأ بالحسن بن علي ، فسلما عليه وخبراه بما قدما له، فقال لهما: اذكراني لها أيضا، فذكرا لها الحسن عليه السلام ويزيد، فاختارت الحسن وبلغ ذلك معاوية فقال: إنه من يرسل ذا بله وعمي يصير على ما هو أعظم من هذا، ولم يف للرجل ما وعده، فندم على طلاقها، فلما عاد إلى المدينة وعلم الحسن بحاله رقَّ له فطلقها وعادت إلى زوجها الأول.
هذه القصة لا شك في كذبها، وهي قصة سخيفة في مبناها ومعناها، وتُشتمّ منها رائحة اللمز الرافضي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي يبرأ منه كل مسلم، وإن كان قصدهم الإزراء بمعاوية وابنه، فهي تزري بأبي الدرداء الصحابي الجليل، وتزري على الحسن بن علي (رضي الله عنهم أجمعين). فكيف يشترك هؤلاء الفضلاء النبلاء في هذا الموضوع المُهين الذي لا يليق بالناس العاديين، في تطليق امرأة من زوجها، ليقوم أحدهم بالزواج منها. فهذه علامة سقوطها من حيث موضوعها.
وأما سقوطها تاريخياً فخلاصته أنه يستحيل وقوعها تاريخياً، فأبو الدرداء رضي الله عنه توفي قبل ولاية معاوية باتفاق المؤرخين، والراجح أنه توفي سنة 32هـ. كما أن يزيد بن معاوية ولد سنة 26 أو 27هـ. فكيف يمكن أن تطلق امرأة من زوجها بمثل هذه المؤامرة ليتزوجها طفل في السادسة من عمره؟!!!
وقد ذكر ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة 4/747: عن سعيد بن عبدالعزيز قال: مات أبو الدرداء وكعب الأحبار لسنتين بقيتا من خلافة عثمان. وقال الواقدي وجماعة مات سنة اثنتين وثلاثين وقال ابن عبد البر إنه مات بعد صفين والأصح عند أصحاب الحديث أنه مات في خلافة عثمان.
وأما يزيد فقد ذكر ابن عساكر كما في مختصر تاريخ دمشق1/3752: أن يزيد بن معاوية ولد سنة ست وعشرين. وقيل: ولد سنة سبع وعشرين.
في سعيهم لهدم الإسلام من الداخل، سعى أتباع ابن سبأ ومن شايعهم من المجوس المتسترين بالإسلام الدس على الإسلام وتحريف مصادره وأصوله وتشويه صورة من نقلوه لنا وهم الصحابة الكرام، تارة بالنيل من مكانتهم ، وتارة بتشويه سيرتهم، ثم أخيراً إلى تكفيرهم وإخراجهم من الإسلام بالكلية وزعموا أنهم ارتدوا جميعهم عن الإسلام عدا أفراد معدودين خمسة أو سبعة، ولهذا تجد المنافقين منهم الذين لا يستطيعون التصريح بتكفيرهم إذا وقفوا أمام المسلمين يترضون عنهم تقية بصيغة (رضي الله عن الصحابة المنتجبين) وقصدهم بذلك هؤلاء الخمسة أو السبعة، فإذا سمعت أحدهم يقول ذلك اعلم أنه من أتباع ابن سبأ الحاقدين على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. اطلب منه أن يقول (رضي الله عن الصحابة أجمعين) سيمنعه شيطانه المجوسي من قولها.
ولأن المذهب الهادوي في اليمن نشأ في محيط عربي سني أثر عليه، فلم يتجرأ أصحابه على المقولات والانحرافات الكبيرة التي شابت مذاهب الرافضة الفارسية، واكتفوا بالتركيز على ما يهمهم من هذا المذهب وهو تفضيل سلالتهم المزعومة على باقي المسلمين، وحصر الولاية على (البطنين)، وعلى استئثارهم بالأموال عبر الجبايات والأخماس. وما يتعلق بهذه الأصول من فروع وتفصيلات. ومع ذلك لم تخل كتب الهادوية من آثار التشيع الفارسي، ومنها هذه القصة المذكورة أعلاه التي وجدتها أثناء دراستي لأحد كتب الفقه الهادوي.
المقصود هنا أن نكون كما أمرنا الله عز وجل في كل ما نسمعه ونقرأه من قصص وحكايات عن هذا الجيل القرآني الفريد (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) فلا تظن بأحد من الصحابة الكرام إلا خيراً ، ولا تنظر لهم إلا بعين الحب والتعظيم والاحترام فهذا دليل الإيمان. (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).