في دراسته لما يقارب الـ٥٠٠ انقلاب خلال الفترة ما بين أعوام ١٩٥٠- ٢٠٠٠، وتحليله النوعي المعمق والمفصل للانقلابات في غانا؛ يفصل البروفيسور المساعد نونيهال سينج، في كتابه الاستيلاء على السلطة:
المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية
Seizing Power: The Strategic Logic of Military Coups
بين احتمالية حصول الانقلاب، واحتمالية نجاحه
“الاستيلاء على السلطة” ليس مجرد كتاب عن السياسة الإفريقية؛ لأنه يدرس الانقلابات التي تحدث في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى تحليل الانقلابات ومحاولات الانقلاب الفاشلة في الفترة من 1950 إلى 2000، يعتمد كتاب سينج على مقابلاتٍ استغرقت مئات الساعات لسبر أغوار سبع محاولاتٍ انقلابية في غانا وقعت بين عامي 1967 و1981.
الحجة التي ينسجها “سينج” في كتابه بسيطة ومقنعة: “من الأفضل فهم محاولات الانقلاب على أنها حالاتٌ يكون فيها لكل فرد حافز على فعل ما يقوم به الآخرون، وبالتالي فإن اختيارات كل فرد تستند إلى معتقداته حول الأفعال المحتملة للآخرين”.
وبدلاً من التفكير في الانقلابات باعتبارها معارك (وبالتالي فإن الطرف الذي يتمتع بأكبر قوة عسكرية سيفوز) أو كانتخابات (وبالتالي فإن الفريق الذي سيحصل على أكبر تأييد للجمهور سيفوز)، يدفعنا سينج إلى التفكير في نجاح الانقلاب باعتباره فعلاً يعتمد على قدرة صناع الانقلاب على إقناع الآخرين بأن محاولة انقلابهم سوف تكون ناجحة.
استراتيجيات الانقلابات:
كلما شاهدت أستاذة العلوم السياسية في كلية سميث بولاية ماساشوست الأمريكية “كيم يي ديون” محاولة انقلابٍ فاشلة، هزّت رأسها متسائلة: “لماذا لم يقرأ صناع الانقلاب كتاب نونيهال سينج الذي يحمل عنوان “الاستيلاء على السلطة: المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية”؟ صحيحٌ أن المؤلف لا يقصد تقديم وصفه للقيام بانقلاب ناجح، لكن كتابه يقدم رؤىً من شأنها أن توفر على منفذي الانقلاب المحتملين الكثير من المتاعب”.
استخلاصات ..
الأستاذ عبيدة عامر (سوري الجنسية) قام بترجمة الكتاب (لم تنشر حتى الآن) استخلص أن سينج في دراسته المشار إليها، يرى أن أسباب حصول الانقلاب تختلف عن أسباب نجاحه، ويدرس دينامياتها، ليخرج بنتيجة مفادها:
1- الانقلابات العسكرية ليست انتخابات (قائمة على شعبية القائمين بها أو الحاجة لها)، ولا معارك (معتمدة على قوة القائمين بالانقلاب)؛ وإنما ألعاب تنسيق، معتمدة على التوقعات و"ما وراءها".
2- وباختصار، نجاح الانقلاب - بحسب نظرية اللعبة - يتطلب من الطرف الذي قام به أن يجعل الجميع يتوقعون أنه سينجح - ولو لم يكن كذلك -، ويتصرفوا بناء على ذلك، إما بالاصطفاف وراءه أو عدم معارضته، مما يجعل هذه التوقعات محققة لذاتها بذاتها.
3- لذلك، قد يفشل انقلاب مدعوم من كل الأطراف داخل الدولة، كما في الانقلاب السوفييتي ضد يلتسن - وقد ينجح انقلاب ضعيف بسبب اعتماده على التوقعات، كما في انقلاب النقيب القذافي أو النقيب الطيار جيري رولينجز في نيجيريا، لأن ما "وراء التوقعات" كانت داعمة لهم.
4- عمليا، تلعب الاتصالات دورا هاما في تنفيذ الانقلاب ونجاحه، سواء بالاتصالات الإعلامية، متمثلة بالسيطرة على محطات البث والإنترنت، أو بالرسائل الرمزية بالسيطرة على العاصمة وأهم المواقع الممثلة للسلطة (البرلمان، القصر، الخ)، أو بالاجتماعات داخل الجيش.
5- إلا أن المفارقة أن هذا التواصل ليس للشعب - غائب التأثير الجوهري بالانقلابات -، كما هو متصور، بل لبقية الأطراف داخل الجيش، لإظهار النجاح وتوجيه الأطراف الأخرى لتؤيد أو تقف على السور.
6- تمثل الوسيلة الأخيرة بالاتصالات، الاجتماعات، الوسيلة الأكثر نجاعة لأنها تضمن وصول الرسائل إلى جميع الأطراف والتأكد أنها وصلت (وتأكد الطرف الآخر أنها وصلت.. الخ)، إلا أنها الأصعب تنفيذا بسبب الرقابة الكبيرة ومنع الاجتماعات داخل الجيوش، إلا على "قمة الجيش"، الجنرالات ونظائرهم.
7- ولذلك، كانت الانقلابات من القمة هي الأكثر تحقيقا لنسبة النجاح تاريخيا، بنسبة أقل للانقلابات من المنتصف (التي يتصدرها قادة الوحدات القتالية الذين يستعيضون عن الاجتماعات بالقوة الخشنة)، والنسبة الأقل للنقباء فما دون، الذين يقومون عمليا بعصيان عسكري بانقلابهم مما يجعلها أكثر دموية.
وبتطبيق هذه النتائج على آخر انقلاب عسكري وقع قبل أيام في ميانمار - بحسب المعلومات المتوفرة - فقد نجح بسلاسة وسرعة دون أي دماء تذكر لمشاركة قيادة الجيش، وعلى رأسهم الجنرال مين أونغ هلينغ به - بغض النظر أكان من المخططين أم لا -.
إضافة لذلك، لم تخرج الديناميات عن المسار التقليدي المتوقع: انتشار في الشوارع وحصار للمواقع الرمزية، سيطرة على منشآت البث والإعلام، وبالتالي، استيلاء على السلطة. أما ما بعد ذلك فهو يعتمد على العلاقات السياسية- العسكرية وتاريخ المؤسسة وشعبيتها في الدولة.
8- أما حول أسباب حصول الانقلاب بالأصل فيعزوها سينج لثلاثة نقاط رئيسية - من بين العشرين تقريبا - كانت بارزة بالتحليل الكمي: الفقر، وكون الدولة "أنوقراطية" (بين الديمقراطية والديكتاتورية)، وشهدت انقلابات عسكرية ناجحة.
لا نحتاج كثيرا لنطبق هذا على ميانمار. واحد من أصل أربعة ميانماريين يعيش تحت خط الفقر، تصنف "فريدوم هاوس" ميانمار على أنها "حرة جزئيا" بحصول انتخابات حرة مع استمرار القمع، ولم يمر عقد بعد على تسليم الجيش للسلطة (جزئياً).
إقناع الفاعلين بالنجاح..
يحرص قادة الانقلاب على إقناع الأطراف العسكرية بأن نجاح الانقلاب يحظى بتأييد كل فرد تقريباً في الجيش، وأن أي مقاومةٍ محتملة ستكون طفيفة. وأحد الطرق التي يسلكها صانعو الانقلاب لإنجاز هذه المهمة هي الاستيلاء على مرفق البث الإذاعي الرئيسي.
وفقاً للبحث الذي أجراه سينج، شهد 80 في المئة من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و67 في المئة من دول أمريكا اللاتينية و50 في المائة من الدول الآسيوية محاولة انقلابٍ واحدة على الأقل بين عامى 1950 و2000. ويوضح أن الانقلابات ليست مجرد تهديدٍ للديمقراطية، بل هي أيضاً أحد الأشكال السائدة للإطاحة بالطغاة من مناصبهم.
هذا الكتاب جديرٌ بالقراءة حتى لو لم تكن تخطط لتنفيذ انقلاب. حيث يشير فيه سينج إلى مدى أهمية فهم الانقلابات لأن “محاولات الانقلاب هى الآلية الأساسية لمعظم تغيير النظام والإطاحة غير النظامية بالقيادة حول العالم”.
وعلى الرغم من أنه لا يتناول انقلاب عام 1991 في الاتحاد السوفيتي بقدرٍ كبير من التفصيل، فإن الفصل الذي خصصه لمناقشة هذا الحدث كان ثريًا بالمصادر.
بعبارة أخرى، هذا الكتاب صالح للتناول الأكاديمي للحديث عن النظريات وتحليل البيانات، لكن قراءته أيضاً ممتعة لغير المتخصصين الذين قد يكونون مهتمين بمعرفة المزيد عن الانقلابات والظروف التي تؤدي إلى نجاحها، وهو مثير أيضًا لانتباه المهتمين بنظرية الألعاب.
تطوير نظرية جديدة..
رغم أن الانقلابات تؤدي إلى عدد كبير من التغييرات على مستوى الأنظمة، وهي المسؤولة عن الإطاحة بالعديد من الحكومات الديمقراطية، لم يكن هناك سوى القليل من العمل التجريبي حول هذا الموضوع.
لذلك يطور كتاب “الاستيلاء على السلطة” نظريةً جديدة لديناميكيات الانقلاب ونتائجه، استناداً إلى 300 ساعة من المقابلات مع أشخاص شاركوا في انقلابات، ومجموعة بيانات أصلية تتعلق بـ 471 محاولة انقلاب في جميع أنحاء العالم خلال الفترة ما بين عامي 1950 و2000. كما يقدم سينج تقييمًا موجزًا وتجريبيًا يخلُص إلى أن فهم ديناميكيات الفصائل العسكرية أمر ضروري للتنبؤ بنجاح أو فشل الانقلابات.
يرى المؤلف أن هناك علاقةً قوية بين الانقلابات الناجحة وقدرة الجهات العسكرية على التحكم بالمشروع وحتمية النجاح. وعبر دراسة الانقلابات المتعددة في غانا ومحاولة الانقلاب في عام 1991 في الاتحاد السوفيتي، يشرح سينج كيف أن الجهات الفاعلة العسكرية تقدم صورةً لانتصار وشيك غالباً ما يكون أقوى من الواقع على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، يحدد سينج ثلاثة أنواع متميزة من ديناميكيات الانقلاب، ولكل منها احتمال مختلف للنجاح، استناداً إلى المكان الذي وقع فيه كل انقلاب داخل المنظمة: انقلاباتٌ يقوم بها كبار الضباط العسكريين، وانقلاباتٌ تقوم بها الرتب الوسطى، وانقلابات هي أقرب للتمرد على مستوى الجنود منخفضي المستوى.